محمود القيعي:
تثير إشادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بموقف إسرائيل “الإنساني” – في كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا أخيرا – تساؤلات عديدة عن مغزى تلك الإشادة الخاصة جدا، برغم أن العديد من دول العالم سارعت إلى إغاثة تركيا كلٌّ قدر استطاعته.
ومن بعد أردوغان، جاء وزير خارجيته ليعلنها صراحة ودون مواربة: “موقف اسرائيل سوف ينقل العلاقات التركية الاسرائيلية الي مستوي أعلى”.
فما السر وراء تلك الإشادة العلنية الخاصة؟ وماذا وراء الأكمة؟!
المحلل السياسي البارز د.عبد العليم محمد مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام يقول إن كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية أخيرا ربما تصدق عليها الحكمة القائلة: مصائب قوم عند قوم فوائد.
ويضيف لـ “رأي اليوم” أن الكارثة اتخذتها إسرائيل وسيلة لتبييض وجهها، وتصويرها على أنها الدولة المتحضرة التي تسارع إلى نجدة المنكوبين.
ويقول إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل زعمت إسرائيل أنها تلقت طلب مساعدة من سورية دون أن تحدد الجهة التي طلبت ذلك.
ورجّح د.عبد العليم أن تكون تلك الجهة ربما منظمة الخوذ البيضاء،لافتا إلى أن تلك المنظمة متهمة بالتعاون مع إسرائيل وقيامها بدور استخباراتي.
ويقول إن هناك مصالح متبادلة بين تركيا وإسرائيل، لافتا إلى أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل استراتيجية، بها تعاون أمني وعسكري وفني ولوجستي وتدريبات مشتركة وتبادل علمي.
ويضيف أن تلك العلاقات أصابها الفتور فترة بسبب أحداث “مرمرة” التي وقعت 2010، حين داهمت قوات البحرية الإسرائيلية النشطاء الحقوقيين على متن السفينة في المياه الدولية للحيلولة دون وصولها إلى غزة.
وأدى الهجوم إلى مقتل 10 ناشطين أتراك بالإضافة إلى إصابة 60 آخرين.
ويوضح مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن العلاقات التركية- الإسرائيلية تم استئنافها، ولم تعتذر إسرائيل برغم إصرار أردوغان حينها على تقديم إسرائيل اعتذارا وهو الأمر الذي لم يحدث .
ويوضح د.عبد العليم أن بعض الدول العربية والإسلامية تقوم- للأسف- بإقامة علاقات مع إسرائيل سرا وجهرا، وتسعى للتطبيع الشعبي الكامل برغم عدم وجود حدود مشتركة ،بحجة مواجهة إيران وغيرها من الحجج المتهافتة.
ويختتم مؤكدا أن أردوغان “يلعب لعبته” خاصة أن تركيا عضو في حلف الناتو، وحليف للولايات المتحدة الأمريكية يوجد بها قواعد عسكرية أمريكية، لافتا إلى أن أمريكا والغرب يسعيان لخطب ود تركيا لأخذ موافقتها على انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو ، وفي ذات الوقت يسعى أردوغان لتحقيق المغانم لبلاده بعيدا عن الشعارات “البراقة” التي رفعها وقتا ما.
الامتنان لإسرائيل
من جهته يقول د.إسماعيل صبري مقلد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إنه برغم أن ما يقرب من مائة دولة في العالم بخلاف العديد من المنظمات الدولية بادرت إلى تقديم المساعدات الإغاثية الضخمة لتركيا لدعمها في تعاملها مع كارثة الزلزال الذي ضربها منذ ايام ، فإن الرئيس التركي اردوغان ووزير خارجيته عبّرا عن امتنانهم بشكل خاص لإسرائيل ولما قدمته لتركيا في محنتها الاخيرة.
ويضيف مقلد أن وزير خارجية تركيا قالها صراحة ودون مواربة: “موقف اسرائيل سوف ينقل العلاقات التركية الاسرائيلية الي مستوي أعلى”.
مشيرا إلى أنه ربما كان قصده الي مستوى الشراكة الاستراتيجية الكاملة واستعادة الزخم وقوة الدفع التي كانت تحركها في الماضي ، وربما ما هو أكثر من هذا كله، مشيرا إلى أن الإشادة الرسمية هنا َوعلي أعلى مستوي بدور اسرائيل في هذه الأزمة الطاحنة والكارثة ما زالت في ذروتها ولم تنحسر تداعياتها بعد ، لها مغزي سياسي كبير لا يخفي.
ويوضح مقلد أن النجاح في إحداث هذه النقلة النوعية الجديدة في علاقات اسرائيل بتركيا، يرجع الفضل الأكبر فيه الي الدبلوماسية الاسرائيلية منه الي الدبلوماسية التركية، لافتا إلى أن ذلك كان واضحا منذ فترة بسعي اسرائيل الي فصل القضية الفلسطينية بحساسياتها وتعقيداتها عن علاقاتها الثنائية سواء مع دول الشرق الاوسط ، بما فيها الدول العربية والخليجية، أو مع غيرها من دول العالم.
ويشير أستاذ العلوم السياسية إلى أن هدفها من استبعاد الملف الفلسطيني من كل تلك العلاقات ، هو أن يكون لكل علاقة ثنائية اطار ذاتي خاص بها من المصالح والأهداف والحسابات والأولويات ، وهو التحول الذي كان لا بد وأن ينتهي الي تهميش القضية الفلسطينية وإزاحتها من موقعها المتقدم الذي كانت تشغله في الماضي، وهو ما تلوح بوادره منذ فترة وبكل وضوح مهما يقال أو يتردد هنا أو هناك غير ذلك.
ويؤكد مقلد أن الاهتمام الدولي بهذه القضية العربية التي كانت يوما محورية ومركزية ومصيرية ، يتلاشي إلى حد الانحسار، مشيرا إلى أنه إضافة إلى هذه الاستراتيجية الاسرائيلية الخبيثة والتي نجحت في اختراق الكثير من الموانع الصلبة والنفاذ منها الي تحقيق ما خططت له ونسجت كل هذه الخيوط والشباك حوله ، سعيها كذلك وفي نفس الوقت الي تعميق الاقتناع لدي كل تلك الدول والحكومات أن اسرائيل وحدها او أكثر من غيرها هي بوابتهم وطريقهم المفتوح الي الولايات المتحدة في ظل كل الادارات الامريكية ، والي دول الاتحاد الاوروبي علي كثرتها وتنوع مواقفها ، وذلك بما لاسرائيل والقوي الصهيونية الداعمة لها هناك من نفوذ سياسي هائل فيها ، وان تقاربهم مع اسرائيل يخدم مصالحهم بالأساس، وانه بدون دعم اسرائيل لهم فإن كل تلك الأبواب سوف تغلق في وجوههم ، وهم يصدقون ذلك وينساقون وراءه رغم امتلاكهم لكل هذه الثروات النفطية والاموال الخيالية التي يتحدث العالم كله عنها ويحسدهم عليها.
وينبه أستاذ العلوم السياسية أن هذه الخطة الاخري نجحت في استدراجهم الي المواقف التي أصبحت فيها إدانتهم او انتقاداتهم الحادة لاسرائيل حول ممارساتها العدوانية في الاراضي الفلسطينية المحتلة مصدر إحراج كبير لهم.. ويقول إنه لهذا السبب تصدر تلك الدول عبارات الشجب علي استحياء بلا اي قيمة حقيقية لها، مشيرا إلى أن الشواهد على تلك التحولات المثيرة في المواقف والسياسات والتوجهات تنطق بهذه الحقائق المريرة بكل وضوح.
ويختتم مؤكدا أن هذا هو بعض ما وصلت اليه الأوضاع في الشرق الأوسط بفعل دبلوماسية اسرائيلية ماكرة تعرف طريقها الي ما تريده لنفسها بأساليبها التي برعت فيها واتقنتها ، وعالم عربي منقسم علي نفسه وغارق في أزماته وصراعاته، ويتحرك في كل قضاياه بلا رؤية مشتركة وبلا تنسيق أو توافق عام على هدف قومي مشترك.
Leave a Reply